رائحة الموت
(قصة )
...
بعد نهار كان بالنسبة له الأشد قسوة، منذ ان حاصرت اشباح المرض اخته الوحيدة قبل عدة ليال،ولم تكتف بإنتزاع تاج الصحة منها،بل وروحها ايضا..!
يراقب الشمس وهو عائد لحظة الغروب،ففي خيوطها الذهبية يضع كل احلامه،وامنية الا تشرق شمس غد كاليوم..
يمشي الهوينة بإتجاه كوخه الحجري الصغير،ويمر بجانب حقول جاره الذي وبرغم وفرة القمح لديه،لم يذق خبزه ابدا،بل يكتفي بإشباع حاسة الشم لديه..!
عاد واشعل سراجه الموشك على الإنطفاء،بسبب شح الوقود (السمن)
توقف قليلا امام حجرين وضعا بجانب الجدار بشكل متوازي وبينهما رماد (اثفاه) ابتسم وهو يتذكر استقبال اخته له حين عاد وهو يغني،وبيده حفنة قمح،وكيف انها حملت تلك الأحجار بصعوبة لتصنع منها موقدا،وبوجه يملؤه الفرح تردد "سترى كيف سيكون طعم الخبز"
نزلت دموعه وهو يتذكر تلك الليلة،كيف انه نام جائعا بسبب ان اخته وبلا قصد..احرقت الخبز..
وهو متوجه للفراش، يضحك بحرقة: كيف أن للأيام طرقا كثيرة لأخذ من نحب منا،حتى من لا حياة له،تأخذ حياته.. لا شيء يستحق ان نعيش من اجله!
ينطفئ السراج..(الوفي)كما اسماه.. بعد ان مده بالضوء الكافي ليصل فراشه..
،يستلقي وكأول مره يراقب الجدار المتهالك، يسأل نفسه متعجبا لماذا يفوح من كل شيء رائحة الموت ؟؟
يغمض عينيه محاولا الهروب من التفكير،واستجداء النعاس! جاعلا قدميه النحيلتين، صوب النافذة المفتوحة ،كزهرة عباد الشمس،مستبشرا بقدوم نسائم باردة من خلالها..
يفتح عينيه مرة اخرى على الغرفة، لا شيء يلفت انتباهه في الظلام،ولا شيء يقتل هذا الصمت!
يخيل له صوت شيء بالقرب من بابه الخشبي،ينتفض بسرعة ويلتقط سراجه،ويضعه!
و يمشي باتجاه الباب ولا يرى شيئا سوى النور المتسلل من فتحة الباب،يخرج ولا يرى سوى ليل حالك!
عاد لفراشه وهو يطرح تساؤلات عدة ماذا من الممكن ان يكون مصدر ذلك الصوت؟ واقنع عقله بأنه ربما حيوان ليلي جاء ليبحث عن مالم يجده وهو الطعام!
استيقظ في الصباح على صوت صراخ الجار ومعه جمع غفير من الأفواه المزعجة..
خرج بلا وعي مستنكرا هذه الجلبة و ليستفسر عن السبب وراء هذا الصراخ والعويل..!!
وجد الجار امام وجهه يصرخ ويشير إليه: هذا هو اقسم لك ! هو من قتلها نظر بوجه يملؤه الخوف والقلق: ماذا؟ كيف؟ من؟
اشار الشيخ بيديه للرجال جانبه ان يقتادوا صاحبنا المسكين
اخذوه اربعة رجال،وخلفهم اربع مئة فم يصرخ!
اوصلوه لشجرة بالقرب من بيت جاره وقيدوه بالحبال!
الغريب ان صاحبنا لم ينبس ببنت شفة،وكأنه هو القاتل! جاء الشيخ بالجار وقال له: اخبرنا ماذا رأيت ؟
والجار يتلعثم ويقول: رأيته وهو يجمع الحطب لثلاثة ايام،وكلما سألته عن السبب،اجابني بأن البرد قادم،مع اننا في فصل الصيف!!
يغمض صاحبنا عينيه ويستمع لكلام الجار الغير منطقي!
التفت الجار للجموع،وتارة للرجل،وتارة للشيخ وبنبرة حزن قال: احرق اخته الوحيدة،وبالأمس رأيت الكلاب تحفر بجانب بيته،واخرجوا....وبدأ يجهش بالبكاء!!
الجموع اصابها الوجوم! استنكر البعض هذه القصة،والبعض اراد ان يرى الذي استخرجته الكلاب بأم عينه!
وذهبوا جموع اهل القرية لبيت ذلك المسكين،وبدأوا بنبش المكان الذي اخبر به الجار..وفعلا وجدوا جثة اخته الوحيدة متفحمة!
صرخ بأعلى صوته: كانت مريضة،لم يكن لدي حل آخر،من منكم سأل عنها وهي حية؟ من منكم يتذكر اسمها؟
تعبت ان استيقظ على وجهها الحزين البائس الشاحب،ما فعلته كان لإراحتها من هذا الجحيم الذي هي فيه!
لطالما أيقنت وانا أراها كل يوم بأن المرض سيأخذها مني,لو لم أفعل انا.. وأنه إن تقضي على حياة شخص ما،اسهل بكثير من ان تعيش لتسعده!
اشار الشيخ بيده للرجال جانبه أن يضعوا حدا لجنون هذا الرجل,وكلامه الذي وقع عليهم كالصاعقة!
اقترب الرجال بخناجرهم الحادة..وانهوا مأساته.

تعليقات
إرسال تعليق