(لــقـــاء)

قصة قصيرة






صدفة التقيا,وهكذا قُدرَ لهما..
برغم تلك الوجوه التي مرت عليه منذ خمسة عقود ..ميزها,لقد تغيرت ملامحها واصبحت اجمل مما كان يتذكر,واضافت السنين لملامح تلك الطفلة تجاعيد حادة,دافئة
في الشارع المقابل له تمشي بهدوء,و بجوارها شاب وسيم ممسك بيدها,وبلا ادنى شك,أيقن بأنه ولدها,تزاحمت الجمل,والأفكار بعقله

من أين ابدأ؟..ماذا سأقول؟
خائفٌ ان يظهر على ملامحي التوتر,وخائف ان تكون قد نسيتني!
استجمع قواه,وعزم على مقابلتها,حتى لو كلفه الأمر ان يقتل تلك الأحلام بأنها ما زالت تحبه,ويعيش باقي حياته بلا احلام جميلة
وجهه صوب الشارع المقابل,يمشى الهوينى صوبها,يرتب احاديثه,ويحاول أن يرتب انفعالاته ايضاً,وقف خلفهما قليلاً,واسرع بالخطى,خاف ان تلتفت وتعرفه ويكون الحوار مختلف عما رتب له مسبقاً

يصرخ للشاب الملتفت امامه :
"أنت".."أنت"
يلتفت الشاب مذعوراً من صراخ العجوز خلفه,وهي لم تلتفت 
-ماذا تريد؟ مستغربا قالها

اقترب العجوز من الشاب وامه والإرتباك واضح عليه وتلعثم قائلاً :
-لا شيء فقط كنت اظنك احدهم,هل هذه امك؟
نظرت الأم لعينيه,لم تتغير تلك النظرة ابداً,وكان هذا ما يريد ان يرى
-ومن انت لتسأل ؟
توقفت الدماء بجسمه الهزيل وكأن الموت مر امامه,صدمته اجابتها التي تخيلها خارج عقله,لكي لا يفكر بها كثيراً فتقع !
وتغيرت ملامح الشاب ايضاً,وكأنه خائف من ان يطول الحوار امامه,وقاطعهم بسرعة :
-سيدي تعال معي لأحادثك قليلاً

امسك بيد العجوز واخذه بعيداً عن الأم,التي لم يبدو على ملامحها التعجب,وكأنها نسيت الحوار سريعاً
تنهد الشاب وقال :
-سيدي,هذه ليست أمي,وانا لا اعرف من هي,لقد تم نقلي هنا قبل اسابيع,من المصح العقلي الواقع في المدينة المجاورة..آسف !
الشاب يتكلم والعجوز يراقب شفتيه وهو يحكي عن حال تلك التي أحب طوال حياته ,فجأة يختفي صوته,وتعلو اصوات ضحكاتهما,وصوت تلك الطفلة وهي تغني له ذات صباح,ويصغي لها وتبتسم له
مغمض عينيه,وكأنه يريد لتلك الطفلة أن لا تتوقف عن الغناء, و أن لا تعلم بما سيحدث لها ,وبما اصبحت عليه الآن!
ترك الشاب خلفه,وترك مامر به خلفه ايضاً,وفي عقله مازالت تلك الطفلة تبتسم له

تعليقات